فصل آخر من ثورة الشعب .. معركة الحرية تقودها الأمعاء الخاوية
فجأة توسعت دائرة الإضرابات داخل المعتقلات الخليفية، وأصبحت تحاصر الطاغية وعصابته، وتهدد حكمهم الذي يزداد تصدعا باستمرار ظلمهم وعزلتهم الداخلية. وما إصرارهم على توسيع أطر التطبيع مع العدو الاسرائيلي الا تأكيد لرغبتهم في التخفيف من آثار تلك العزلة. ويوما بعد آخر يتحول السجان الى سجين، ويصبح المعتقلون هم أصحاب قرار الخروج من المعتقلات اوالبقاء فيها. وكما كرر رموز الشعب المرتهنون وراء القضبان، فانهم يفضلون البقاء داخلها على منح سجانيهم فرصة الاستمتاع والتلذذ بممارسة السيطرة والتحكم في مصائر البشر او الشعور بالنصر. فبعد اكثر من عشرة أعوام من الاعتفال التعسفي وجد الطاغية نفسه بحاجة لغطاء دولي لتبرير ممارساته الإجرامية بحق السجناء السياسيين. فسعى لإقناع مفوضية حقوق الانسان بالدخول في اتفاق تعاون ولكن سرعان ما اتضح ان ذلك لن يتم وفق شروطهم، وان اي اتفاق قد يضاعف ورطتهم السياسية والاخلاقية.
لقد دشن الدكتور عبد الجليل السنكيس المرحلة الحالية من الاضراب عن الطعام معلنا حربا بلا هوادة على شرعية الخليفيين بعد ان اعتدوا على أنسانيته، واستهدفوا عطاءه الثقافي، واستهتروا بحقوقه وهددوا حياته للخطر. هذا الشعور بدأ يسري لبقية المعتقلين السياسيين، فأقدم الكثيرون منهم على الإضراب، ومن بينهم السجناء الأطفال بالمبنى 17 من سجن جو الذي تلطخت سمعته لما ارتكب في طواميره من فظاعات وجرائم ضد الانسانية. وفي الأيام القليلة الماضية دخل الناشط الحقوقي المعروف دوليا، الاستاذ عبد الهادي الخواجة، على خط الإضراب، ليزيد الوضع تعقيدا وليحاصر الخليفيين وفي مقدمتهم ولي العهد الخليفي الذي حاول عبثا ترويج نفسه للغربيين بانه “إصلاحي”، ولكن بعد مرور عام كامل على استلامه رئاسة الوزراء بالتوارث اتضح خواء جعبته من أي توجه إصلاحي حقيقي. كان يحاول التذاكي على الشعب بطرح ما أسماه “العقوبات البديلة” التي سرعان ما تبخرت وفقدت بريقها، وأصبح في عيون العالم مستباد وسجانا وجلادا، وفاقدا للشرعية الشعبية والدستورية. ويعتبر دخول الخواجة على خط الإضراب عن الطعام تطورا غير متوقع من قبل الطغاة، نظرا لما يمثله ذلك من فشل الحكم في احتواء الموقف واسترداد اية مصداقية في مجال حقوق الانسان. وفي الوقت الذي ندعو الله فيه أن يحفظ هؤلاء الأبطال، فاننا نهيب بالقوى السياسية والحقوقية وكذلك بالمواطنين دعمهم بالصلاة والدعاء والاحتجاج السلمي المتواصل والنشاط الإعلامي في الداخل والخارج.
ليس مستبعدا ان يكون السجن هذه المرة البديل الفاعل لدوار اللؤلؤة الذي هدمه الخليفيون بدوافع الانتقام والحقد والعقدة والغضب بعد ان اصبح شاهدا على عزلة الخليفيين من جهة ووحدة الشعب من جهة ثانية، ووضوح رؤية ثواره ثالثا، وتأكيدا للعقلية الإجرامية المختزنة لدى الطاغية وعصابته. ولكي يقوم بذلك وجد الطاغية نفسه مضطرا لاستقدام الاحتلال السعودي – الاماراتي الذي زاده غوصا في الوحل وتوغلا في العمالة والخيانة. لذلك يقف اليوم فاقدا الشرعية كنظام حكم سياسي، وكطرف إقليمي في صراع الأمة لاسترداد كرامتها واراضيها المحتلة ومسجدها الأقصى وفلسطينها. انها واحدة من المحطات التاريخية التي تحمل دلالات بليغة على نهضة شعب واستفاقة أمة، وهزيمة طاغوت وسقوط صنمية فقدت مبررات وجودها. المواجهة هذه المرة سوف تتعدد جبهاتها، وأشكالها والمشاركون فيها. ولن تنحصر المعركة في الصراع السياسي بين الطرفين التقليديين: الخليفيين والبحرانيين، بل سيكون ذا أبعاد إقليمية ودولية. فليس من مصلحة قوى الإقليم بقاء الحكم الخليفي بعد ان ظهرت خيانته وأصبح خطرا على أمن المنطقة واستقرارها. فاستقدام قوات الاحتلال (سواء السعودي الاماراتي الى داخل البحرين) ام الاسرائيلي الى الخليج، يعتبر تطورا خطيرا سيصيب الخليفيين في مقتل. وقد ضاعف الخليفيون جريمتهم بالمشاركة في مناورات وتدريبات عسكرية مع قوات الاحتلال والسعودية والإمارات التي استمرت خمسة أيام في خطوة استفزازية لشرفاء المنطقة مثل الشعب اليمني وإيران وسوريا والعراق. انه إعلان حرب غير محسوبة النتائج، ستصل آثارها المدمرة للبيت الخليفي الذي سينهار بعون الله وإرادته.
هذه المعطيات تكرس حتمية التغيير في هذا البلدالمبتلى بهذه العصابة المجرمة التي خانت الله ورسوله والأمة والشعب وفلسطين. فعندما يكون الشرفاء مستعدين للتضحية بحريتهم وراحتهم وحتى أرواحهم، فانهم يؤسسون لسقوط من يقمعهم ويضطهدهم ويعذبهم. هذا التأسيس يؤكده استمرار ثورة الوطن والشعب، وتوسع المسافة بين الطرفين: الشعب المصر على نيل حريته واستقلال قراره وتحرير ارضه، والخليفيين الذين يرفضون ان يكونوا ضمن النسيج الوطني ومتطلباته وهمومه وأولوياته وولاءاته. وليس من المبالغة في شيء القول بعدم وجود بلد عربي آخر تتجلى فيه هذه المفارقة بين حكامه وشعبه. فاذا كان في السابق قد استطاع بدعم اجنبي ضرب معارضيه بالسجن والتعذيب والقتل والنفي، فان من المؤكد ان ثورة 14 فبراير أفقدته القدرة على توجيه الضربة القاضية للشعب وممثليه، برغم ما ارتكبه من جرائم ضد الانسانية تجاوزت الحدود. لذلك فالأرجح تصاعد التوتر في الأسابيع والشهور المقبلة خصوصا مع إصرار العصابة الخليفية على تحدي الشعب وتصعيد وتيرة تطبيعه مع العدو والتحالف معه عسكريا لمواجهة شعوب المنطقة ومحور المقاومة.
قد يبدو للبعض ان هذه التطورات ربما أثرت على التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة، وانها قد تصب لصالح قوى الاستبداد والاحتلال، وتضعف مواقف الشعوب. ولكن الحقيقة مختلفة تماما. فالاستقطاب الحاد بهذا المستوى غير مسبوق منذ ا حتلال فلسطين قبل اكثر من سبعين عاما. ولم يحدث قط ان دخلت الحكومات العربية في تحالف استراتيجي مع العدو بهدف مواجهة أطراف عربية وإسلامية. ومن المؤكد ان عوامل موضوعية ساهمت في هذا الاستقطاب الحاد من جهة وإعادة تشكيل المحاور والتحالفات من جهة أخرى. ويجدر التأكيد على بروز محور قوى الثورة المضادة في السنوات العشر الأخيرة لاستشرف المستقبل المنظور. هذه القوى الشريرة اصبحت رمزا للاستبداد والقمع والخيانة والتطبيع والتخلف، وتجهز نفسها لمواجهة اي شعب عربي يتطلع للحرية. انها تتحالف مع الجنرالات في العديد من الجيوش العربية لتهئيتها للانقلاب على اية محاولة للاصلاح. وجاء الانقلاب الاخير في السودان لتأكيد ذلك، وقبلها في تونس. وبذلك تم القضاء على كافة انجازات ثورات الشعوب، واستعادت قوى الثورة المضادة السيطرة على الوضع. ولكن هل هذا يعني حسم معركة الشعوب العربية من اجل الحرية؟ يستحيل ذلك لانه مغاير للمشاعر الانسانية التي تعشق الحرية وترفض الظلم والاحتلال والاستغلال. الخليفيون اصبحوا جزءا من منظومة الشر التي يمثلها تحالف قوى الثورة المضادة (السعودية والامارات ومصر والخليفيون والكيان الاسرائيلي)، وهم يعوّلون عليه لانقاذهم من غضب الشعب البحراني المظلوم. الأمر المؤكد ان دعم الخارج لا يحمي اي نظام يرفضه شعبه. والخليفيون مرفوضون من البحرانيين لارتكابهم جرائم لا تحصى بحق الوطن والمواطنين، واستمرارهم في الظلم والتنكيل والتعذيب. وما الاضرابات المتواصلة داخل السجون إلا أحد تجليات معركة الوجود بين الطرفين. وكما ان الفلسطينيين يخوضون معركة الامعاء الخالية لكسر شوكة الاحتلال، فان البحرانيين أتقنوا أساليب المقاومة وصمّموا على كسر شوكة العصابة الخليفية المجرمة. وقد يتأخر النصر ولكنه محتوم بوعد إلهي لا يُخلف، لانه من السنن الإلهية الثابتة “إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون”.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
19 نوفمبر 2021