أمن الخليج لا يوفره “حوار المنامة”، بل شعوبه المضطهدة
تطورات عديدة حدثت الشهر الماضي ستتواصل تبعاتها في الاسابيع المقبلة نظرا لطبيعة الصراع المحتدم في البحرين منذ عقود. انها تطورات فرضتها طبيعة الحكم الخليفي من جهة، وإصرار الشعب الأصلي (شيعة وسنة) على تحقيق تغيير جوهري في البنية السياسية ومنظومة الحكم البالية. وفيما يستعد البحرانيون لإحياء عيد الشهداء في 17 ديسمبر، تتعمق مشاعر المواطنين بضرورة تحقيق التغيير وأنهاء الحقبة الخليفية السوداء التي فرضت على البلاد والعباد أجواء ساحبة من العذاب والألم والحقد، وأفقدت البلاد سيادتها واستقلالها واستبدلت أمن الشعب بأمن الخليفيين. هذه الحقائق أصبحت تضغط على المواطنين خصوصا الواعين منهم، لمواصلة درب النضال بدون توقف او تراجع. وهذا الشعور منتشر في اوساط الرموز المرتهنين لدى العصابة الخليفية، ولكن وعيهم ساهم في التقليل من وهج الدعاوى والدعاية الخليفية الماكرة. ولذلك يصر الرموز اليوم على التغيير السياسي كشرط للهدوء والامن، ويرون ان غيابه يساهم بشكل كبير في تعكير الاجواء ومنع الامن والاستقرار.
وبالنظر للاوضاع الاقليمية ذات الصلة بسياق الاوضاع البحرانية، فمن المتوقع حدوث ما ليس في حسبان النظام الظالم الذي ما يزال ضحاياه يدفعون ثمن بقائه. وتتفاعل شؤون داخل البحرين وخارجها لتوفر الأرضية اللازمة لحدوث التغيير، ومن هذه الأمور ما يلي:
اولا: استمرار الحكم الخليفي في التنكيل والاضطهاد بدون حساب. وقد اعتقل العديد من الاطفال وتعرضوا للتعذيب في طوامير السجن، لاجبارهم على توقيع اعترافات بما لم يفعلوه. فكل ما ارتكبه هؤلاء المشاركة في مسيرات سلمية تطالب باطلاق سراح السجناء السياسيين تارة، ووقف جريمة التطبيع الخليفي مع العدو الصهيوني ثانية، والمطالبة على وجه الخصوص باطلاق سراح الدكتور عبد الجليل السنكيس الأسير لدى العدو ا لخليفي منذ اكثر من عشرة اعوام. هؤلاء الاطفال حرموا من أبسط حقوقهم، فلم يسمح لهم بالاتصال بعائلاتهم الا بعد مرور أيام، وكذلك منعوا من التواصل بشكل فاعل مع محاميهم. الحكم الخليفي يراهن على كسر شوكة هؤلاء وأهاليهم لوقف الاحتجاجات المتواصلة التي لم تتوقف. ويدرك المواطنون ان هذه الاحتجاجات ضرورة لأنهاء الاستبداد والإجرام والخيانة، وجميعها سمات ملازمة للعصابة الخليفية المجرمة. وتكرر اعتقال الاطفال بدون رحمة، وتزامن ذلك مع حلول اليوم العالمي للطفل الذي تحتفي به دول العالم وتسعى من خلاله لترويج ثقافة الاهتمام بالنشء وتأهيله لممارسة دوره مستقبلا بعد الدراسة والمشاركة المباشرة في الحياة الادارية والاقتصادية. اما الخليفيون فما برحوا يضطهدون الاطفال وينكلون بهم ويقتلونهم. وما تزال الذاكرة تختزن أسماء العشرات من الاطفال الذين مزقتهم رصاصات الغدر الخليفي في السنوات العشر الماضية ومن بينهم علي الشيخ وعلي بداح . في عهد ولي العهد رئيس الوزراء الخليفي الحالي، اصبح القمع له سمات عديدة: اولها الاضطهاد الحقوقي الشامل تحت غطاء منظمات “حقوقية” أسسها الخليفيون لتكون واجهة لتلميع سمعتهم التي لطختها عقود من الاضطهاد والتعذيب الممنهج. ثانيها: انتهاج سياسة اعلامية ودعائية ماكرة تهدف للتشويش والخداع، فتظهر للعالم صورة عن الخليفيين مناقضة تماما للحقيقة. ثالثها: توسيع دائرة الإنفاق على وسائل الاعلام المضللة، والمنظمات التي تسمى (جانجو) اي المنظمات غير الحكومية المدعومة من الحكومة، وعلى شركات الدعاية والعلاقات العامة، وشراء مواقف السياسيين والبرلمانيين في الدول الغربية. وإمعانا في التضليل سعى الخليفيون لتحييد مجلس المفوض السامي لحقوق الانسان، بتوقيع اتفاق تعاون معه. وقد وقف النشطاء الحقوقيون والسياسيون ضد ذلك، واوضحوا لمكتب المفوضية خطر الاتفاق مع الخليفيين على مصالح الوطن والشعب من جهة وعلى سمعة المفوضية من جهة أخرى.
ثانيا: تعمق مشاعر الغضب لدى المواطنين الذين يشعرون بالاهانة المتواصلة من قبل الخليفيين خصوصا عندما يهرولون للتطبيع مع العدو الاسرائيلي. هذه المرة كان التحدي اكبر. فقد شاركوا في مناورات وتدريبات مشتركة مع قوات من الكيان الاسرائيلي والسعودية والامارات. جرت هذه المناورات في البحر الأحمر، وكأن هؤلاء الطغاة يرسلون رسالة مباشرة للشعب اليمين الصامد الذي استمر اكثر من ستة اعوام وهو يقاوم العدوان ا لسعودي – الاماراتي الجائر. وبموازاة هذه التدريبات الخيانية شنت قوى العدوان طلعات متواصلة استهدفت المدنيين فاستشهد العديد منهم. مع ذلك لم يستطع العدوان كسر إرادة الشعب اليمني الذي رد على تلك الاعتداءات بضربات جوية استهدف بعضها منشآت شركة أرامكو النفطية، بالإضافة لقواعد عسكرية منها قاعدة خميس مشيط في الجنوب الغربي من الجزيرة العربية. جاء التصعيد السعودي للتعتيم على الهزيمة المنكرة التي تعرضتت لها قواتها في الاسابيع الاخيرة وأرغمتها على ما أسمته “إعادة الانتشار” بالانسحاب من مناطق عديدة والعودة المهزومة الى الاراضي السعودية. انه فصل آخر من فصول المواجهة المستمرة بين أهل اليمن وقوى البغي السعودية والإماراتية. ومن المتوقع استمرار هزائم العدوان خصوصا مع استهداف القوات اليمنية المنشآت النفطية والعسكرية في العمق السعودي، وعجز المعتدين عن تحقيق نصر يذكر. وجاءت المناورات والتدريبات في البحرين الاحمر، بمشاركة قوات صهيونية. وسعت بعض القوى الغربية الداعمة للاحتلال والاستبداد لتقديم دعم معنوي لحلفائها في المنطقة، واتخذت اجراءات من بينها توقيع صفقات سلاح عملاقة مع السعودية، وإدراج منظمة “حماس” على قائمة الإرهاب، كما فعلت سابقا مع حزب الله. السبب؟ رفض محور المقاومة الذي تنتمي اليه هذه المجموعات مشروع السلام المفروض من قبل امريكا وحلفائها على المنطقة، وهو المشروع الذي تم تجنيد حكام الامارات لتسويقه وشراء مواقف الدول الاخرى للانخراط فيه.
ثالثا: كان “حوار المنامة” الذي تم في الأسبوع الثالث من الشهر الماضي، ليكشف للعالم هشاشة الوضع السياسي للعديد من دول الخليج خصوصا الخليفيين. المؤتمر هذا العام تم تقديمه لاسباب لم يتم توضيحها. وشارك بعض وزراء خارجية الدول الغربية بطرح رؤى مكررة حول أمن العائلات الحاكمة بمنطقة الخليج، بدون ان يضاف جديد في ما يتعلق بالشعوب من حقوق وسياسات وانفراج. وفي ما عدا الكويت التي اعلنت مؤخرا عفوا عن أغلب المعتقلين السياسيين بمن فيهم ما يسمى “خلية العبدلي” والنائب مسلم البراك وجماعته، ما تزال سجون دول مجلس التعاون خصوصا السعودية والامارات والبحرين مكتظة بالسجناء السياسيين. ولم تقدم هذه الانظمة على مبادرات إصلاحية ذات مغزى، وبقي مجلس التعاون تجمعا للعائلات الحاكمة يتعاون للحفاظ على كل منها. ويستمد المجلس مقومات بقائه من الدعم الانجلو امريكي لذلك البقاء بما يحتاجه من دعم امني وعسكري. وقد كرّس “حوار المنامة” هذا المنحى، فكانت خطابات المشاركين فيه مثل وزير الخارجية الامريكين مظلة لتأكيد ذلك الدعم من جهة، ودعم التطبيع مع الكيان الاسرائيلي وإشراكه في التفاهمات الامنية الاقليمية من جهة ثانية، وتعبئة مواقف الحكومات المشاركة للتصدي لأطراف عديدة: اولها الجماهير المطالبة بالتغيير والتحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان، ثانيها: أطراف محور المقاومة التي تصر على رفض التطبيع مع العدو الاسرائيلي وتلتزم بمبدأ التحرير الكامل للتراب الفلسطيني ومنع الاختراق السياسي والامني الذي تخطط له قوى الاحتلال مدعومة بالحكام المستبدين في ابوظبي والرفاع. وثالثها: الحركات الاسلامية في البلدان العربية، وما تمثله من بديل فكري وايديولوجي وسياسي يصلح بديلا للنظام الغربي الذي بدأت تناقضاته تضعف أساساته وتهدد بوصوله الى نهاياته. وبهذا يعتبر المؤتمر الذي يقام سنويا بدعم غربي واسرائيلي بإشراف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بؤرة تآمر وتخطيط ضد القوى العربية الوطنية والاسلامية، وداعما للاحتلال والاستبداد، وعنوانا لظلامات شعوب المنطقة وانتهاك حقوقها السياسية والمدنية.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وفك قيد أسرانا، وتقبل قرابيننا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
26 نوفمبر 2021