الذكرى الأربعون لاستهداف الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين
منذ اربعة عقود اعتاد شعب البحرين في شهر ديسمبر من بعض الاعوام سماع الابواق الخليفية تفاجيء الناس بخبر عن “اكتشاف “مؤامرة لقلب نظام الحكم بالقوة”، وكثيرا ما نسبت تلك “المؤامرة” لعناصر “مدعومة من الحرس الثوري الإيراني”. هذا الخبر الذي تكرر مرارا في الثمانينات والتسعينات وحتى الاسبوع الماضي، تصاحبه حملة اعتقالات واسعة وقمعا وحشيا قاسيا وفرض أجواء من الرعب على الوطن والشعب. ولم يخجل الطاغية الخليفي تكرار هذه الدعوى الزائفة حتى في عصر الانترنت وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الناس وقدرتها على كشف الزيف من الكذب. وكالعادة شن العدو الخليفي الشهر الماضي حملة واسعة من الاعتقالات شملت اطفالا وشبابا من مناطق شتى: الدراز والعكر والنويدرات وسواها. وكعادته بالغ الطاغية في إجرامه، وكرر المشاهد التي ساهمت في تعميق كراهية الحكم الخليفي في نفوس المواطنين، واهمها الاعتداء على المنازل عند منتصف الليل لإدخال الرعب في نفوس الرجال والنساء والأطفال. مشهد إجرامي آخر تكرر هذا العام ايضا وأدى لاضطهاد واسع شمل عشرات المواطنين الذين نقلوا الى مراكز التعذيب بلا رحمة. ولم يفت الطاغية تهديد التجار الشركات بالويل والثبور والانتقام بلا حدود ان لم يسايروه في نشوته وينشروا الاعلانات الباهضة التكلفة لدعمه ومباركة “خطواته” ضد الشعب وكافة إجراءاته التي تتركز على الاعتقال والتعذيب وأسر الأبرياء وعرضهم على شاشات التلفزيون. لقد اصبحت المسرحية باهتة ومقززة ومدعاة للسخرية والسخط ايضا.
فما هي قصة “المؤامرة التي تستهدف نظام الحكم بالقوة؟ متى بدأت؟ ومن كان ضحاياها وماذا كانت نتائجها؟
صدرت النسخة الاولى في مثل هذه الأيام قبل أربعين عاما، وصعب على الخليفيين مرور هذه الذكرى بدون تكرار المشهد وإخراج المسرحية لاستعادة نشوة الطاغية بنخب الإنجاز الوهمي وتبرير الانفاق الهائل من “جلالته” لاظهار “جلالة الملك” منتصرا على العدو البحراني الخطير. فمنذ بداية شهر ديسمبر 1981 بدأ الخليفيون بإعداد المسرحية الأولى التي كانت نقطة تحول في تاريخ البحرين المعاصر. يومها كانت السجون قد بدأت تحتضن عناصر من الإسلاميين، بينما كان أغلب معتقليها من ذوي الاتجاهات اليسارية الذين ناضلوا ضد الخليفيين عقودا قبل ذلك ودفعوا ثمن نضالهم غاليا. في تلك الفترة أعلن جهاز الأمن الذي كان تحت إدارة الضابط البريطاني، إيان هندرسون، ومعه عدد من ضباط الامن من خريجي “كلية هندون” البريطانية مثل عبد العزيز عطية الله وخالد المعاودة، عن اكتشاف “تنظيم إرهابي يسعى لإسقاط النظام بالقوة”. وفي غضون أيام اكتظت زنزانات التعذيب الخليفية بالمئات من أفراد “التيار الشيرازي” الذي لم يفصح عن اسمه التنظيمي او واجهته السياسية. ومنذ ذلك الوقت ظهر اسم “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين” في وسائل الاعلام، بعد ان ا قتنص الطغاة خيرة شباب ذلك التيار وقياداته. وبرز من أسماء الذين اعتقلوا آنذاك السيد جعفر العلوي الذي مكث في السجن 18 عاما. جاءت الاعتقالات طبقا لما كان يعرف ىنذاك بـ “قانون أمن الدولة” الذي كان يسمح لوزير الداخلية باعتقال اي شخص يشبته في نشاطه السياسي وإيداعه السجن لفترة تصل الى ثلاث سنوات بدون تهمة او محاكمة. حدث ذلك بالحرف والروح. فقبل تلك الحملة الشعواء اعتقل المرحوم الشيخ محمد علي العكري في سبتمبر 1979 وبقي بدون تهمة او محاكمة 50 شهرا حتى افرج عنه في ديسمبر 1983.
شملت الضربة الإجرامية التي قام بها الثنائي هندرسون- فليفل في ظل حكومة الاستبداد التي كان المقبور خليفة بن سلمان على رأسها، اكثر من 150 شخصا. كان بعض هؤلاء خارج البلاد وبعضهم على اراضيها. وكان مجلس التعاون الخليجي قد تأسس قبل بضعة شهور (مايو 1981)، كمنظومة أمنية لحماية العائلات الحاكمة بدول الخليج. وبموجب الاتفاقيات الامنية بين هذه العائلات تم تسليم العديد من أعضاء الجبهة الى الخليفيين (عمان والامارات وقطر والكويت). تعتبر تلك الهجمة الشرسة تجسيدا موسعا لمنظومة التعذيب التي انتهجها المقبور هندرسون بمعيّة عادل فليفل، حيث تعرض المعتقلون لأبشع أصناف التعذيب والتنكيلن، ولم يسمح لعائلاتهم بزيارتهم الا بعد شهور، قبيل انعقاد آولى جلسات المحاكمة الجائرة التي عقدت في سجن جو نفسه، حيث كانوا يرزحون في طوامير التعذيب الخليفية. يومها كانت هناك خشية من إصدار احكام بإعدام بعضهم بناء على طلب المدعي العام، ولكن تطورا مهما حدث على جبهات الحرب العراقية – الإيرانية التي كانت قد بدأت في سبتمبر 1980. فقد حقق الإيرانيون انتصارا كبيرا عند شبه جزيرة الفاو، الامر الذي كسر عزيمة دول مجلس التعاون التي كانت تمد صدام حسين بالمال والعتاد. فأصيب الخليفيون وداعموهم بالذعر وأمروا بإصدار أحكام أقصاها السجن مدى الحياة لعدد من السجناء وعلى رأسهم السيد جعفر العلوي الذي بقي في الطوامير الخليفية حتى العام 1991، اي بعد اجتياح قوات صدام حسين الأراضي الكويتية.
كانت ضربة الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين قبل اربعين عاما استمرارا لبداية مرعبة للعلاقة بين الخليفيين والبحرانيين، وذلك بعد عشرة اعوام على استقلال البلاد من الحماية البريطانية في 1971. كانت السنوات العشر مرحلة إعادة صياغة تلك العلاقة التي انتهت بقرار خليفي بشن حرب ضروس على الشعب البحراني الأصلي (شيعة وسنة). بدا ذلك قبل ستة اعوام بتعليق العمل بالمواد الدستورية التي تنظم الممارسة الانتخابية، وحل المجلس الوطني المنتخب. وبدأت بعدها مباشرة سياسات القمع السلطوي المنظم بقيادة إيان هندرسون الذي تم توظيفه كرئيس لجهاز الأمن العام في ابريل 1966، عندما كان البريطانيون موجودين رسميا على أرض البحرين. فتم اعتقال عدد من أعضاء المجلس الوطني المنحل مثل المرحوم محمد جابر صباح وعلي ربيعة ومحسن مرهون وعبد الهادي خلف، ثم اعتقال اشخاص محسوبون على الجبهة الشعبية قبل ان تحدث أولى الضربات الكبرى باستهداف الجبهة الإسلامية. يومها تحدث الإعلام الخليفي والخليجي عن “مؤامرة” و “محاولة انقلابية” مدعومة من إيران التي انتصرت ثورتها على الشاه قبل اقل من ثلاثة اعوام (فبراير 1979). كما فرضت الحرب التي بدأها صدام حسين على إيران نفسها على المنطقة التي كانت تشهد حماسا ثوريا غير مسبوق ورغبة في التحول السياسي بعد عقود من التخلف والركود. وعم البحرين حالة من الوجوم وخيمت عليها أجواء أمنية غير مسبوقة، استعدادا لمرحلة جديدة من الحراكات الشعبية المطالبة بالتغيير.
لقد كانت الاربعون عاما الأخيرة فترة صعبة في تاريخ البحرين من حيث الاضطهاد الخليفي للسكان الاصليين، سواء بالسجن او التعذيب او الإعدام او السياسات الطائفية والتمييز او السعي للقضاء على الشعب البحراني الاصلي (شيعة وسنة) خصوصا عبر مشروع التجنيس السياسي وسحب الجنسية والإبعاد. وبدلا من كسر شوكة الشعب، ازداد المواطنون حماسا للتصدي للحكم الخليفي الذي بدأ عدوانه بالغاء خيار الشعب في 1975 وصعّد اضطهاده في السنوات اللاحقة. ومنذ ذلك الوقت لم تهدأ البلاد أبدا، وفي غضون عامين استهدف الخليفيون جمعية التوعية الاسلامية وتنظيم حزب الدعوة الإسلامية، وتوالت الاستهدافات تباعا. ان ما جرى في ديسمبر 1971 يستحق التأمل وإعادة القراءة للتعرف على طبيعة الحكم الخليفي والأسس التي يبني عليها سياسته مع الشعب البحراني. نأمل ان يحظى هذا الملف بشيء من الاهتمام، برغم انشغال النشطاء بالاستعداد لإحياء عيد الشهداء المجيد في 17 ديسمبر. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أعظم محنة الوطن والشعب في ظل الحكم الخليفي المارق. ولن يكون بالامكان استشراف المستقبل بدون التوقف عند حوادث الماضي التي أسست لما جرى طوال العقود الأربعة اللاحقة. والأمل ان يتم إحياء ذكرى الضربة العملاقة الاولى في ديسمبر 1981 كموقف وطني يفضي لوحدة الشعب وطالبه وقواه السياسية.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
3 ديسمبر 2021